مسار مختلف 2
.....
.....
لم يقنعني شخص واحد فحسب، بل عدة اشخاص، ومن
ضمنهم أنا.
لنعد الى الموضوع الاصلي، انني قابلت الكثير
وان لا احد فيهم مرتاح رغم ما يظهرونه من راحة.
لقد رأيت بأعينهم كلاما كثيرا، وسمعت صراخهم
من داخلهم، ورأيت هموما يعرفونها حق المعرفة، رأيت الحيرة، الهم، الغم، الحزن،
الضيق، ورغم هذا لم أكن افعل اي شيء لمساعدتهم لأنني كنت اشعر بأنني لا امتلك الحق
لأن اقوم بمساعدتهم.
لا اقصد أن اعطيهم حلول، بالعكس تماما، اولئك
المهمومون لا يحتاجون الى حلول في هذه الفترة الاولى من انكشافهم، بل يحتاجون من
يسمعهم وبقوة.
من يفهمهم حتى ولو بالشيء البسيط، ومن يقف
معهم في كل مرة يشعرون فيها بالضيق والاختناق.
لقد كنت اعرف هذا الامر منذ سنوات عديدة، بل
افهمه بقوة لأنني كنت واحدة منهم وما زلت.
ما زلت احتاج الى من يسمعني، لكنني اعرف
نفسي، انني لن ارتاح لأنني كبرت على عدم الشعور بالارتياح من داخلي.
اما بعض الناس، يحتاجون بقوة الى هذا الراحة
لكنهم يكابرون على انفسهم وعلينا بأنهم لن يتحدثوا عن انفسهم لأي شخص حتى لو كان قريب
منهم، حتى لو كان أعز اصدقائهم.
لأنهم ببساطة لا يثقون، او لربما هم خائفون
من ان يعرف عنهم أحد.
يخافون على ضياع انفسهم بعد ان يقولوا من هم.
لقد رأيت الكثير من النفوس، تشعبت بداخلهم
بكل هدوء دون ان اطرق باب معظمهم، دون ان اخبرهم بأنني دخلت قلوبهم الى ان وصلت
الى سراديب عميقة، تلك السراديب كانت تحمل كل ما يحملونه، كانها صناديق سوداء
مغلقة لها عشرات السنين.
وانا استطعت اختراقها دون سابق إنذار، ودون
أن يعلنوا الحرب علي، ودون ان يعلن بعضهم حالة الاستنفار القصوى، او حالة الطوارئ
لستة شهور.
حتى تشبع عقلي بهم، وصاروا يتراقصون بداخلي
كأنهم جزءاً مني، جزءا يحتل المكان الاكبر.
وكلما تذكرت نظراتهم، وكلام عيونهم، وحنينهم
الى اشياء عرفتها ولم اعرفها، واصواتهم الصارخة من الداخل كأنها محيط عميق عميق
عميق جدا لا احد يسمع صوت امواجه من قريب او من بعيد، اشعر بخيبة الأمل، لإنني لم
اكن بقربهم.
اعرف اني لست محور الحياة، وانني لربما لست
مهم لأحد فيهم، لكن على الاقل هكذا افكر، بأن شخصا مثلي يمتلك القدرة على الاختراق
والتشعب بكينونات الآخرين، كيف له ان لا يفعل شيئا حيال هذا الامر.
وكم تمنيت لو ان ادرس في مجال يتعلق بعلم
النفس، او ان اصنع مجالا جديدا يصل الى أن نساعد كل من يكتمون في صدورهم، حتى لو
كانوا لا يثقون بسرعة، او لا يثقون ابدا.
لكن معظم اولئك الاشخاص كانوا اصدقائي، وقد
خسرتهم بحركات غبية انا قد غفرتها لنفسي، وهم لم يغفروها لي بعد.
لكن، نتقدم بالسن كل يوم وكل عام، والحياة
تمضي رغم الخسارات الفادحة، وبشاعة المقدمات والنهايات التي مررنا بها، ولربما لم
تكن خسارات ابدا.
لهذا، بعد ان شعرت بمرارة الخسارات تلك، قررت
ان لا أكرر نفس تلك الأخطاء السابقة.
لكنني لم أكن قادرة على تطبيق هذا القرار،
فلقد حطمت كل ما قررته برفقة أختي.
كنت اسمعها وبنفس الوقت لا اسمعها، حتى صارت
تعتقد انني لا اتحملها، او ان كل ما تخبرني به لا يهمني، فصارت مضغوطة أكثر مما هي
عليه، وصارت حينما تشكو لي ما يخنقها تشعر بالندم لاحقا.
لهذا، قررت ايضا أن هذه المرة هي المرة
الأخيرة لهذا التصرف غير المنطقي، الذي يحكي عني بأنني لست قادرة على أنكون مسؤولة
عما يخبروني به الناس، او حتى لست شخصا مؤهلا لن يحكي له الناس ما يزعجهم.
الى ان قابلتها، رغم انني قابلت الكثير ،
كلهم كانوا يشبهون بعضهم إلا هي، بعينيها الواسعتين، قوتها التي تضاهي قوة كل من
عرفتهم، قدرتها الخارقة على ان تجمع شتات نفسها وأن تحتفظ بمشاعرها لنفسها.
واشعر بأني لست بحاجة الى ان اكتب اسمها، لأن
الاسم وحده في حالتها لا يشكل شخصيتها ابدا رغم انه جميل الملامح عليها، لكن
لإسمها معنى آخر ،ولعقلها ورباطة جأشها معنً آخر تماما مختلفا.
في المرة الأولى التي زرتها فيها، لم اشعر
بذلك الشعور من قبل رغم أنه مألوف بالنسبة لي، الخوف، التوتر من المرات الأولى،
القلق من الإنطباع الأول، كيف سيكون شكلي أمامها، هل ستراني شخص جيد، ضعيف شخصية،
غير واثق بنفسه، مؤهل لأن يكون شخصا في حياة هذا المرء، أم ليس بمؤهل أبدا.
كانت كل تلك التساؤلات تراودني وانا اسير الى
منزلها، تتعرق يداي بسرعة، يرتعش قلبي لتلك المرة الأولى، اخاف ..ارتجف كلي لكنني
تماسكت وابتسمت ابتسامة رُدت إلي بابتسامة أوسع.
كانت من "المرعباتي" اللواتي ارتعب
لمجرد التفكير بهن، لا لجبنٍ مني، بل لإنني اخاف من اشياء لن يفهمها أحد حتى
شقيقتي التي تعرفني بقوة.
شقيقتي تعتقد أنني أبالغ في بعض الاشيا،
وتعرف ان هناك اشياء افعلها لمجرد جذب اهتمام بعض الناس، وتعتقد بقوة أنني أكذب في
بعض الاشياء، وانني اشعر بالغيرة.
سيقال لي تعقيبا على كلامي أنني يجب أن لا
أفكر رأي شقيقتي، لكنها تقف عائقا أمامي أكثر من جدران منزلي.
ويالها من عائق رغم اعتيادي عليها، إلا أنني
أكرهها في كثير من الاحيان، بحجة انها تعرفني أكثر من البقية، لكنها لا تعرف اي
شيء سوى ما سمحت لها بمعرفته.
كانت تلك الفتاة شخصا يشعرني بالضيق لمجرد
التحديق بها، جو البيت الذي يسكنه هدوء تام، ليس هدوءاً بمعنى الكلمة، بل هدوء من
نوع آخر، سكينة لربما، راحة نفسية تنبعث لاإراديا من المكان، تلك الراحة تخترقني،
وبالتدريج اتحول من شخص يصرخ بالداخل إلى شخص أبكم، أصم.
بعد ساعتين لربما أو أكثر، فأنا شخص لا يهمني
الوقت أكثر مما يهمني أن ارتاح مع نفسي أمام الجميع، خرجت من هناك وانا ابتسم
وارتعش بقوة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق