عرفت أن لا نصيب لي هناك، لا نصيب لي معها من
المحادثات المستقبلية، ولا نصيب لي معها بأن أكون إحدى الشخصيات في حياتها، وكم
كنت اتمنى أن تصبح صديقتي كبعض صديقاتي.
لكنني لم اكن متأكدة تماما من أي شيء سوى
انها سوف تصبح إحدى الشخصيات اللواتي مررن بحياتي، لكنها ليست بعابرة سبيل..وليست
بالشخص الغريب عني.
ايام سريعة تمضي، ساعات طويلة قد انتهت،
ولحظات جافة "عدت علي" وانتهت.
غربة ذاتية مع النفس، غربة عن الجميع، انعزال
وتوحد، بكاء ونحيب، ووجع يصاحبه صداع رهيب، لقد اعتدت على الصداع لكنني مللت منه،
بل صرت أغضب من سويعات الصداع الحارقة، اشعر بأن جسدي وعقلي سوف ينفجران ويتحولان
إلى أشلاء، وما فرقه الصداع ستلمه الموسيقى.
فجمعت ما تبقى لي من شتات عقلي ونفسي، نهضت
عن الارض امسح دموعي في تلك الساعات المنصرمة، تذكرت كل من مروا في قلبي بسلام.
وابتسمت، ابتسمت اقوى حينما تذكرت تلك الساعة
الغريبة، كنا نفوق العشرين إمرأة، كل واحدة فيهم تختلف عن الأخرى، مع أنهن
متشابهات الى ابعد حد، الا ان هذا التشابه هو المختلف.
فكل واحدة لها مجال مميز، احببت الاجتماع ذلك
الذي حصل في يوم المرأة العالمي، جلست تلك الإمرأة، مدربة رياضة، أجلستنا معها
لحلقة تأمل.
ولأول مرة شعرت فيها بالسلام بداخلي، شعرت
براحة انعشتني من جديد، فعدت الى ما كنت عليه واصبحت شخصا قويا جدا مع نفسي، عرفت
أن تعذيب ذاتي وحرمانها من حق العيش بسلام ذنب لا يغتفر، بل لن يغتفر.
رأيت ملامح كل من مروا في حياتي وأصبحوا مع
الوقت مجرد ضيوف لن يؤثروا بي لاحقا.
أما هذه الفتاة، فجوهرها مختلف تماما عن
الجميع، عيونها رغم أنها مجرد عيون، لم تكن كذلك قط.
رأيت فيهن اشياء غير عادية، سمعت صوت صراخ
محيطاتها الداخلية، شعرت بنيرانها وبعقلها، وبنبضات قلبها، وحفظت صوت انفاسها
الداخلة والخارجة.
حتى انني حفظت تفاصيل وجهها، تفاصيل نظراتها،
وبدأت بمراجعة صوت سكوتها.
كل هذه الامور حصلت لي من المرة الأولى،
أيعقل أن هناك شخص يخاف من المرات الأولى رغم انها مرات عادية كباقي المرات!.
لم اجد جوابا لحالتي الى الآن، ولا اريد أن
أجد الإجابة حتى لو بعد حين.
وفي المرة الثانية التي اجلس فيها معها، شعرت
بطاقتها الغريبة تسري مع هالات طاقتي، شعرت بأنها "عنجد" مختلفة، أردت
أن اعانقها، لا لإنني أحببتها فحسب، ولا لإنها أعجبتني بحق، بل لإنها تشبهني،
روحها لامست روحي، هناك شيء ما قد لمسني.
سكنت فيني بقوة وهدوء لا مثيل له، وحينما
تحدثنا عن موضوع "اصحابي"، فاجئتني بأنها تريد أن تعرف شكل قرينتها مما
سبب لي صداع قوي، أقوى من كل المرات، وارتبطت فيني بكيانها الذي يضاهي كياني قوة.
حينها لم اشرد بعينيها كالعادة، بل كنت مركزة
جدا، لدرجة أنني فقدت الإحساس بالوقت وبكل ما حولي، وما زلت كنت فقط اسمع لصوت
انفاسها التي تبعد عني الشيء البسيط.
وهنا انقطع علي الطقس هذا، فزاد الصداع،
واصبح الألم كبير جدا، كأن هناك شيء ما يُنتزع مني، يخرج بصعوبة من صدري، وكأن
روحي تهرب مني .
ومن وقتها ونحن نتحدث افتراضيا، اشعر بها ،
اعرف بماذا تفكر، وعرفتها حق المعرفة ،لكنها تنكر ذلك.
والآن انا في حيرة من أمري، هل علي أن أحبها
كما احببت غيرها، ام انها سوف تخرجني من حياتها "بالعقل" مثلما اخرجت
غيري لإنني فقط لست مكشوفة لها على حقيقتي بالكامل.
علي الآن ان اتوقف عن الكتابة، ها هي اشباحي
قادمة لتأخذني الى غيبوبتي المعتادة، وعلي أن أنفذ امرها قبل أن تقتلني، سوف اكمل
كتابتي حينما استفيق من هذه الغيبوبة.
واغلقت هاتفي ، ووضعت رأسي على وسادتي، ونمت
بعمق، اعمق من اعمق بحر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق