الاثنين، 2 يوليو 2018

القمر ليس بالأعلى

القمر..لطالما اعتبرنا أن مكانه في السماء لكنه ليس كذلك.
إن مكان القمر في قلوبنا، والنجوم في أرواحنا، والفن في أجسادنا....
القمر...ذلك المجسم المضيء ليس بالأعلى..إن وكالة ناسا قد كذبت علينا حينما قالت أنها اكتشفت وجود القمر...
لكنها لم تكن صادقة تلك الوكالة...
لأن القمر في قلب كل واحد فينا....
والشموع كذلك، لم تكن ابدا عبارة عن شيء يذوب وبداخله خيط رفيع أو غليظ...لأنها عبارة عنا...نحن الشموع ونحن الخيوط ونحن القمر والنجوم..
#هلوسة

الاشياء الغريبة




يقال أن الاشياء الغريبة وحدها تسمح للمرء بأن يكون غريبا، بأن يكون على طبيعته...
الكاتب فنان، الرسام فنان، النحات فنان، الراقص فنان، المغني فنان، الموسيقار فنان، فنان تشكيلي يعتبر فنان، المجانين فنانين، والشعراء فنانين، والغرباء فنانين...
المجد للغرباء 

الخميس، 21 يونيو 2018

عادة

إنه لأمر ميؤوس منه أن أتخلص منكِ كالبقية.
لا تعرفين مقدار حاجتي إليك، لا لأنك فقط ارتبطتِ ب روحي بقوة.
لكنك لأنك لمستِ ذلك الشق المنبوذ فيني، ثم اختفيتي فجأة دون سابق إنذار كالبقية.
أود لو ان تعرفي حق المعرفة، أنني كنت أساعد نفسي معك، أنني بحقٍ ساعدتُ نفسي فيك.
لأنك بحقٍ "وترتيني"
أود ان أعرف ما في خاطرك، ماذا يجول هناك في تلك المدينة التي تحوينها في عقلك!
ماذا يحصل بداخل بحارك ومحيطاتك المليئة بالفيضانات المستمرة!
وأود أن أعرف ماذا يحصل ب روحك من عواصف خطيرة!
لكنك بكل بساطة تحاولين التلاشي من حياتي!
أهناك عذر لأسمعه منكِ!
أم تعتقدين أنني ببساطة أنني شخص سيتركك وشأنك!
لا أعتقد...فأنا شخص أعرف نفسي حق المعرفة أكثر من أمي، وأقولها لكِ، أنا هنا.
اعرف انك ستقرأين يوما، لكن......رويدك علي، فأنا أحتاج حقاً الى المساعدة النفسية، وكأنني وجدت فيك المستشارة النفسية،لعقلي الذي لن ينام طوال هذه الليلة الأولى من اختفاؤك دون أسباب، ولم أكتشف اسبابك الى الآن.
طوال الصباح أفكر بمليون عذر....لكن ....اريد الخلاص لعقلي قبل جسدي.

الأربعاء، 20 يونيو 2018

طريق الشجر 1

هي القهوة المثلجة جنبي، جهازي مفتوح عالصفحة البيضا قدامي، والموسيقى الكلاسيكية عم تصرخ فيني صراخ، بحسها ملحمية.
وتلفوني المرمي جنبي عم يعطيني نظرة استخفاف وكأنه عم يقولي "اشوف شو بدك تعملي"
من الصبح وأنا عم بدور ع اشي اكتبه، اشي يعطيني فرصة إني أكتب بكرا.
حاولت إني أدور بين اوراقي ودفاتري ع شي عنوان كتبته ت يكون فكرتي الجاي، لكن دفاتري فاضية.
فتحت مذكراتي، صفحاتها بيضا، صوت السطور عم تصرخ فيني، رغم انه مكتوب عليهم بعضا من حروبي.
الحروب اللي طلعت منها خسرانة.
لكن كل خسارة كان إلها معنى وكان إلها حكمة.
وبما إني شخص يؤمن بوجود الحكم بكل مكان وبكل المواقف والحوادث وبكل الكلمات، وشخص يؤمن بقوة بالإشارات، هاي أول مرة ما بلاقي الحكمة بالعجز، عجزي إني أكتب.
الي ساعات طويلة بفكر بالموضوع الجاي، بالموضوع اللي بدياه يهزني هز، لكن ما في بجعبتي من شيء، سوى فراغ.
خلصت قهوتي المثلجة، خلصت الموسيقى الكلاسيكية، وتلفوني طفى خلص.
قاعدة بمكاني من الصبح.
لحد م لقيتها، بس بعد شو بعد م خلص الليل وطلعت شمس نهار اليوم التاني.
عجزت عن اني اكتب طوال الليل، مش إني فارغة بالعكس، بس لإني ما لقيت الفكرة المناسبة اللي يقأها الناس.
قمت من مكاني، طلعت ع شرفتي الوحيدة، ملاذي ومهربي الوحيد، بإيدي كوب القهوة رقم عشرة، رجعت شحنت تلفوني، لعلني أنشحن أنا كمان.
وتذكرت تفاصيل قديمة كتير، عالم واسع وخيالي.
شجر مليان بكل مكان، شمس عم تهدينا اشعتها بكل حب وهدوء.
ونسمات هوا باردة عم تنعشنا من اول وجديد.
تفاصيل يوم كتير قديم، بيني وبينه شي عشر سنين.
اخدت نفس عميق، كمان نفس عميق، وكمان نفس عميق.
سرحت بضو القمر اللي عم يتلاشى بالتدريج، شوي شوي عم اتلاشى انا كمان.
سرحت شوي بالشجرة الوحيدة اللي قدام البيت، ابتسمتلها، ابتسمتلي، لمستها بعيوني لمستني بجذوعها.
رجعتلي الذكرى، الذكرى القديمة، اقدم من عمري، اقدم من تجاعيد إمي، واقدم من لمسات ابوي.
وارتسمت الصورة ببالي.
ممشى، كله رمل أبيض ووردي، اوراق الشجر الي تساقطت بسبب الخريف عم تتمشى قبالي، والبحر، بيني وبينه شي كم متر بس، وشجر كتير.
شجر أخضر كبير.
سما زرقا، اشعة الشمس بحب عم تلمس ملامح وجهي الهزيل.
وانا عم بركض متل كأني بشي فيلم، بشي حلم، بالتصوير البطيء.
بضحكة طفولية مسموعة لكل اللي بالمكان.
لكن ما كان في حدا بالمكان، كنت لحالي، 
مسكت ورقي وقلمي وكتبت 
"كنت اشعر بالضياع والحب في الوقت ذاته، اعرف انني لم اكن اشعر بأنني تائهة، بل أكملت الطريق وحدي بين الشجر،"
مسحت اللي كتبته، مزعت الورقة، رميت القهوة بعيد عني، صار التيشيرت كله مطبع بالقهوة.
ويالها من صدفة خيالية عجيبة، ارتسمت صورة الممشى الابيض على التيشيرت، وعلى جوانب هالطريق.....كان في شجر كتير...شجر أخضر كبير..سما زرقا...اشعة شمس دافية، وانا..

الثلاثاء، 19 يونيو 2018

على سريري عنكبوت


على سريري عنكبوت
الغرفة معتمة، حتى شمعتي التي اعتدت على اشعالها كل ليلة قد ذابت واختفت كانها تلاشت ك بخار.
لا شيء يدوم للأبد حتى توافه الامور، ولا حتى الأشخاص، لا أحد فيه يدوم لأحد.
آمنت بالكثير، وتوقفت عن الإيمان بالكثير، حتى تفاصيل وجهي ما عدت اؤمن بها.
لا أصدقاء لي، سوى لك العنكبوت الذي بنى عشه الهش قبل يومين فوق سريري، أجزم أنه ذكر.
لا اعرف سبب هذا الجزم، لكن أعتقد ان الفرق بين الذكر والأنثى بينهما واضح جدا.
"ما علينا"، أهم شيء أن لا يقترب مني، فأنا منذ طفولتي كنت أحب العناكب، حتى أنني كنت شجاعة، أما الآن فأنا امتلك خوفا رهيبا منهم.
رغم العنكبوت الذي يسكن غرفتي، أعرف أنه سوف يبقى، لا لإنني لم أتخلص منه، بل لأن غرفتي مهجورة منذ أعوام.
لا أحد يزورها سوى روحي، حتى جسدي ما عاد يلامس أطراف الباب، ولا عادت عيناي تتأمل سقف الغرفة ولا الجدران.
رغم انني بصمت ملامح الجداران، وأبواب خزانتي، وأطراف مكتبي، وأحن الى صوت الموسيقى الذي كان يصدح في البيت كل صباح على تلك "المسجلة"، كانت خاصتي، تخصني انا فهي هدية لي، كم كنت قبلها أتمنى امتلاك واحدة كبقية الفتيات والفتيان، وما إن حصلت عليها حتى هجرتها دون قصد مني.
أكره الإشتياق لكنني مضطرة لأن أشتاق، اكره الحنين لكنني مرغمة على أن أحن وأجن.
علي أن أتوقف عن التفكير الآن بما أفكر به كل ليلة.
اشعر بالحاجة تلح علي، اشعر بمشاعر متضاربة.
"يا علينا وعلى مشاعري"، افكر بما حصل، أعيد مشاهدة نفس المشاهد كل ليلة، هناك شيء ما ناقص، حلقة وصل غير موصولة، مقطوعة، ينقصني شيء ما، شيء ما يربطني بما فقدته.
لكن مشكلتي أنني الآن اتساءل ماذا يفعل العنكبوت في بيته الجديد، هل تراه ينتظر عودة صاحبة السرير كي يحادثها عن يومه، وكيف كاد أن يتشاجر مع عنكبوت آخر بسبب أنثى عنكبوت، وكيف كان طوال الوقت يبحث عن مكان مناسب لعشه الهش.
هل تراه يبحث عن وجه مألوف في ذلك البيت!.
أم انه لا يريد معرفة أحد سوى نفسه.
هل تراه يحدق بصورته في المرآة الحائطية القريبة من الباب، أم أنه يبحث عن شيء ما يأكله، أم أنه يعتقد ان الصورة التي في المرآة مجرد عنكبوت آخر عابر سبيل!.
لكن....أنا أريد ان أصادق ذلك العنكبوت، لأخبره بما بداخلي، وبما اعتقده عن البشر، لأنه مجرد عنكبوت لن يفهم ما أقول.

الطفلة الكبيرة


الطفلة الكبيرة
لم اكن أقصد فيها الإساءة للمقصودة بكلامي هذا، لكنني أقصد ان أصفها بالطفلة وهي في سن لم تعد فيه طفلة.
لقد ضاعت منها طفولتها بلمح البصر، بل لم تعش طفولتها كما هو المفترض.
أذكر كيف كانت تغلق باب الغرفة على نفسها، وتبدأ بلعبة مع نفسها، ترقص وحدها وتسرح شعرها بمرح وسعادة، وتغني بأعلى صوتها، وكانت تعلم صفا من الطلاب غير موجودين.
وكيف كانت تجلس بجانب النافذة، تغني بصوت مسموع تلك الأغنيات التي كانت تسمعها على قناة تلفزيونية مخصصة للأطفال برغم أنها لم تعد طفلة.
كيف كانت تصيح باعلى صوتها وهي تشعر بالسعادة العارمة حينما تحضر لها أمي شيئاص يتعلق بالأطفال، مثلا لعبة، او ملابس لعبة، او حتى تلك اللواصق ، شكل نجمة، أو شخصية "سبونج بوب".
أذكر كيف كانت تبكي إذا لم يعرها أحد اهتماما، كيف كانت تتحول من التعيسة الى السعيدة حينما ترَ فتيات العائلة.
كانت تُسعد بفستان وردي اللون، أحمر اللون، قصير و "مزهزه"، الالوان الفاقعة، "المناكير الحمراء"، احمر الشفاه الفاقع.
الدمى، "الدبدوب الصغير" الذي أخذته من أمها، "بكلها" ربطة الشعر الزهرية.
كانت تجن حينما ترَ "منشف الشعر"، أو حتى "المايكرفون".
كيف كانت تشد على "المايك" لتشعر بنفسها أنها في حفلة صاخبة وهي التي تغني، ترفع صوت الأغنية الى أعلى درجة، تبدأ بالغناء لتصرع كل أهل البيت.
لكنهم كانوا يحبذون الصمت لأنها ما زالت "طفلة".
لا أنساها، لن انسى، لأنها الآن كبرت، كبرت بعد الآوان، رغم أن الآوان لم يفت بعد.

مسار مختلف 3


عرفت أن لا نصيب لي هناك، لا نصيب لي معها من المحادثات المستقبلية، ولا نصيب لي معها بأن أكون إحدى الشخصيات في حياتها، وكم كنت اتمنى أن تصبح صديقتي كبعض صديقاتي.
لكنني لم اكن متأكدة تماما من أي شيء سوى انها سوف تصبح إحدى الشخصيات اللواتي مررن بحياتي، لكنها ليست بعابرة سبيل..وليست بالشخص الغريب عني.
ايام سريعة تمضي، ساعات طويلة قد انتهت، ولحظات جافة "عدت علي" وانتهت.
غربة ذاتية مع النفس، غربة عن الجميع، انعزال وتوحد، بكاء ونحيب، ووجع يصاحبه صداع رهيب، لقد اعتدت على الصداع لكنني مللت منه، بل صرت أغضب من سويعات الصداع الحارقة، اشعر بأن جسدي وعقلي سوف ينفجران ويتحولان إلى أشلاء، وما فرقه الصداع ستلمه الموسيقى.
فجمعت ما تبقى لي من شتات عقلي ونفسي، نهضت عن الارض امسح دموعي في تلك الساعات المنصرمة، تذكرت كل من مروا في قلبي بسلام.
وابتسمت، ابتسمت اقوى حينما تذكرت تلك الساعة الغريبة، كنا نفوق العشرين إمرأة، كل واحدة فيهم تختلف عن الأخرى، مع أنهن متشابهات الى ابعد حد، الا ان هذا التشابه هو المختلف.
فكل واحدة لها مجال مميز، احببت الاجتماع ذلك الذي حصل في يوم المرأة العالمي، جلست تلك الإمرأة، مدربة رياضة، أجلستنا معها لحلقة تأمل.
ولأول مرة شعرت فيها بالسلام بداخلي، شعرت براحة انعشتني من جديد، فعدت الى ما كنت عليه واصبحت شخصا قويا جدا مع نفسي، عرفت أن تعذيب ذاتي وحرمانها من حق العيش بسلام ذنب لا يغتفر، بل لن يغتفر.
رأيت ملامح كل من مروا في حياتي وأصبحوا مع الوقت مجرد ضيوف لن يؤثروا بي لاحقا.
أما هذه الفتاة، فجوهرها مختلف تماما عن الجميع، عيونها رغم أنها مجرد عيون، لم تكن كذلك قط.
رأيت فيهن اشياء غير عادية، سمعت صوت صراخ محيطاتها الداخلية، شعرت بنيرانها وبعقلها، وبنبضات قلبها، وحفظت صوت انفاسها الداخلة والخارجة.
حتى انني حفظت تفاصيل وجهها، تفاصيل نظراتها، وبدأت بمراجعة صوت سكوتها.
كل هذه الامور حصلت لي من المرة الأولى، أيعقل أن هناك شخص يخاف من المرات الأولى رغم انها مرات عادية كباقي المرات!.
لم اجد جوابا لحالتي الى الآن، ولا اريد أن أجد الإجابة حتى لو بعد حين.
وفي المرة الثانية التي اجلس فيها معها، شعرت بطاقتها الغريبة تسري مع هالات طاقتي، شعرت بأنها "عنجد" مختلفة، أردت أن اعانقها، لا لإنني أحببتها فحسب، ولا لإنها أعجبتني بحق، بل لإنها تشبهني، روحها لامست روحي، هناك شيء ما قد لمسني.
سكنت فيني بقوة وهدوء لا مثيل له، وحينما تحدثنا عن موضوع "اصحابي"، فاجئتني بأنها تريد أن تعرف شكل قرينتها مما سبب لي صداع قوي، أقوى من كل المرات، وارتبطت فيني بكيانها الذي يضاهي كياني قوة.
حينها لم اشرد بعينيها كالعادة، بل كنت مركزة جدا، لدرجة أنني فقدت الإحساس بالوقت وبكل ما حولي، وما زلت كنت فقط اسمع لصوت انفاسها التي تبعد عني الشيء البسيط.
وهنا انقطع علي الطقس هذا، فزاد الصداع، واصبح الألم كبير جدا، كأن هناك شيء ما يُنتزع مني، يخرج بصعوبة من صدري، وكأن روحي تهرب مني .
ومن وقتها ونحن نتحدث افتراضيا، اشعر بها ، اعرف بماذا تفكر، وعرفتها حق المعرفة ،لكنها تنكر ذلك.
والآن انا في حيرة من أمري، هل علي أن أحبها كما احببت غيرها، ام انها سوف تخرجني من حياتها "بالعقل" مثلما اخرجت غيري لإنني فقط لست مكشوفة لها على حقيقتي بالكامل.
علي الآن ان اتوقف عن الكتابة، ها هي اشباحي قادمة لتأخذني الى غيبوبتي المعتادة، وعلي أن أنفذ امرها قبل أن تقتلني، سوف اكمل كتابتي حينما استفيق من هذه الغيبوبة.
واغلقت هاتفي ، ووضعت رأسي على وسادتي، ونمت بعمق، اعمق من اعمق بحر.

مما كتبت 3/2

مسار مختلف 2
.....

لم يقنعني شخص واحد فحسب، بل عدة اشخاص، ومن ضمنهم أنا.
لنعد الى الموضوع الاصلي، انني قابلت الكثير وان لا احد فيهم مرتاح رغم ما يظهرونه من راحة.
لقد رأيت بأعينهم كلاما كثيرا، وسمعت صراخهم من داخلهم، ورأيت هموما يعرفونها حق المعرفة، رأيت الحيرة، الهم، الغم، الحزن، الضيق، ورغم هذا لم أكن افعل اي شيء لمساعدتهم لأنني كنت اشعر بأنني لا امتلك الحق لأن اقوم بمساعدتهم.
لا اقصد أن اعطيهم حلول، بالعكس تماما، اولئك المهمومون لا يحتاجون الى حلول في هذه الفترة الاولى من انكشافهم، بل يحتاجون من يسمعهم وبقوة.
من يفهمهم حتى ولو بالشيء البسيط، ومن يقف معهم في كل مرة يشعرون فيها بالضيق والاختناق.
لقد كنت اعرف هذا الامر منذ سنوات عديدة، بل افهمه بقوة لأنني كنت واحدة منهم وما زلت.
ما زلت احتاج الى من يسمعني، لكنني اعرف نفسي، انني لن ارتاح لأنني كبرت على عدم الشعور بالارتياح من داخلي.
اما بعض الناس، يحتاجون بقوة الى هذا الراحة لكنهم يكابرون على انفسهم وعلينا بأنهم لن يتحدثوا عن انفسهم لأي شخص حتى لو كان قريب منهم، حتى لو كان أعز اصدقائهم.
لأنهم ببساطة لا يثقون، او لربما هم خائفون من ان يعرف عنهم أحد.
يخافون على ضياع انفسهم بعد ان يقولوا من هم.
لقد رأيت الكثير من النفوس، تشعبت بداخلهم بكل هدوء دون ان اطرق باب معظمهم، دون ان اخبرهم بأنني دخلت قلوبهم الى ان وصلت الى سراديب عميقة، تلك السراديب كانت تحمل كل ما يحملونه، كانها صناديق سوداء مغلقة لها عشرات السنين.
وانا استطعت اختراقها دون سابق إنذار، ودون أن يعلنوا الحرب علي، ودون ان يعلن بعضهم حالة الاستنفار القصوى، او حالة الطوارئ لستة شهور.
حتى تشبع عقلي بهم، وصاروا يتراقصون بداخلي كأنهم جزءاً مني، جزءا يحتل المكان الاكبر.
وكلما تذكرت نظراتهم، وكلام عيونهم، وحنينهم الى اشياء عرفتها ولم اعرفها، واصواتهم الصارخة من الداخل كأنها محيط عميق عميق عميق جدا لا احد يسمع صوت امواجه من قريب او من بعيد، اشعر بخيبة الأمل، لإنني لم اكن بقربهم.
اعرف اني لست محور الحياة، وانني لربما لست مهم لأحد فيهم، لكن على الاقل هكذا افكر، بأن شخصا مثلي يمتلك القدرة على الاختراق والتشعب بكينونات الآخرين، كيف له ان لا يفعل شيئا حيال هذا الامر.
وكم تمنيت لو ان ادرس في مجال يتعلق بعلم النفس، او ان اصنع مجالا جديدا يصل الى أن نساعد كل من يكتمون في صدورهم، حتى لو كانوا لا يثقون بسرعة، او لا يثقون ابدا.
لكن معظم اولئك الاشخاص كانوا اصدقائي، وقد خسرتهم بحركات غبية انا قد غفرتها لنفسي، وهم لم يغفروها لي بعد.
لكن، نتقدم بالسن كل يوم وكل عام، والحياة تمضي رغم الخسارات الفادحة، وبشاعة المقدمات والنهايات التي مررنا بها، ولربما لم تكن خسارات ابدا.
لهذا، بعد ان شعرت بمرارة الخسارات تلك، قررت ان لا أكرر نفس تلك الأخطاء السابقة.
لكنني لم أكن قادرة على تطبيق هذا القرار، فلقد حطمت كل ما قررته برفقة أختي.
كنت اسمعها وبنفس الوقت لا اسمعها، حتى صارت تعتقد انني لا اتحملها، او ان كل ما تخبرني به لا يهمني، فصارت مضغوطة أكثر مما هي عليه، وصارت حينما تشكو لي ما يخنقها تشعر بالندم لاحقا.
لهذا، قررت ايضا أن هذه المرة هي المرة الأخيرة لهذا التصرف غير المنطقي، الذي يحكي عني بأنني لست قادرة على أنكون مسؤولة عما يخبروني به الناس، او حتى لست شخصا مؤهلا لن يحكي له الناس ما يزعجهم.
الى ان قابلتها، رغم انني قابلت الكثير ، كلهم كانوا يشبهون بعضهم إلا هي، بعينيها الواسعتين، قوتها التي تضاهي قوة كل من عرفتهم، قدرتها الخارقة على ان تجمع شتات نفسها وأن تحتفظ بمشاعرها لنفسها.
واشعر بأني لست بحاجة الى ان اكتب اسمها، لأن الاسم وحده في حالتها لا يشكل شخصيتها ابدا رغم انه جميل الملامح عليها، لكن لإسمها معنى آخر ،ولعقلها ورباطة جأشها معنً آخر تماما مختلفا.
في المرة الأولى التي زرتها فيها، لم اشعر بذلك الشعور من قبل رغم أنه مألوف بالنسبة لي، الخوف، التوتر من المرات الأولى، القلق من الإنطباع الأول، كيف سيكون شكلي أمامها، هل ستراني شخص جيد، ضعيف شخصية، غير واثق بنفسه، مؤهل لأن يكون شخصا في حياة هذا المرء، أم ليس بمؤهل أبدا.
كانت كل تلك التساؤلات تراودني وانا اسير الى منزلها، تتعرق يداي بسرعة، يرتعش قلبي لتلك المرة الأولى، اخاف ..ارتجف كلي لكنني تماسكت وابتسمت ابتسامة رُدت إلي بابتسامة أوسع.
كانت من "المرعباتي" اللواتي ارتعب لمجرد التفكير بهن، لا لجبنٍ مني، بل لإنني اخاف من اشياء لن يفهمها أحد حتى شقيقتي التي تعرفني بقوة.
شقيقتي تعتقد أنني أبالغ في بعض الاشيا، وتعرف ان هناك اشياء افعلها لمجرد جذب اهتمام بعض الناس، وتعتقد بقوة أنني أكذب في بعض الاشياء، وانني اشعر بالغيرة.
سيقال لي تعقيبا على كلامي أنني يجب أن لا أفكر رأي شقيقتي، لكنها تقف عائقا أمامي أكثر من جدران منزلي.
ويالها من عائق رغم اعتيادي عليها، إلا أنني أكرهها في كثير من الاحيان، بحجة انها تعرفني أكثر من البقية، لكنها لا تعرف اي شيء سوى ما سمحت لها بمعرفته.
كانت تلك الفتاة شخصا يشعرني بالضيق لمجرد التحديق بها، جو البيت الذي يسكنه هدوء تام، ليس هدوءاً بمعنى الكلمة، بل هدوء من نوع آخر، سكينة لربما، راحة نفسية تنبعث لاإراديا من المكان، تلك الراحة تخترقني، وبالتدريج اتحول من شخص يصرخ بالداخل إلى شخص أبكم، أصم.
بعد ساعتين لربما أو أكثر، فأنا شخص لا يهمني الوقت أكثر مما يهمني أن ارتاح مع نفسي أمام الجميع، خرجت من هناك وانا ابتسم وارتعش بقوة.

مما كتبت 3


مسار مختلف
لم أكن شخصا يعرف كيف يتعامل مع البشر دون أن يخجل ولو لدقيقة.
كنت أخاف من الناس، لا بالمعنى الحقيقي لكلمة خوف، بل كان توتراً واضحا، وكان عقلي يرفض التحدث، وقلبي كان يرتعش خوفا من المرات الأولى، من المقابلات الأولى، ومن الإنطباعات الأولى.
كان يخاف عقلي أن يقال عني أنني ضعيفة شخصية، لست جريئة ولا شجاعة برغم أن برجي هو الأسد، ويعرف هذا البرج بقوة شخصيته وشجاعته في المواقف كلها، وأنه بقلب أسد.
إلا أنا، اشعر بل اعرف أنني مختلفة عن البقية.
لا استطيع أن احدق بعيني أحد، خوفا من أن أكشفهم، أكشف دواخلهم، فالعيون في بعض الأحيان تكشف ما يخبئه الشخص بعيدا عن أعين البشر، لكنني أنا كنت قادرة على أن أكشف ما يكتمونه البعض من مشاعر مختلفة تماما عما يظهرونه امام الغير.
لقد كنت دوما شخصا غير قادر على أن يلملم شتات نفسه، على أن يجمع ما تاه منه وما خسره في لحظات عابرة سريعة.
كنت دوما عابر سبيل في حياة كل من عاشروني، رغم ان الوقت الذي قضيناه سويا يكفي لأن يقال عنا اننا اصدقاء، لكن الوقت لم يكن أبدا مقياس الصداقة، لهذا اعتبر نفسي عابرة سبيل في حياة كل من قرروا أن يبتعدوا عني بإرادتهم، وأن يسلكوا طريقا مختلفا عن طريقي.
كل ما كنت افعله ليس بغيرة من شخص يحمل نفس القدرات، بالنسبة لإختي هو كذلك، أنني اشعر بالغيرة من فلان لأنه يستطيع أن يحلل المرء لمجرد أن يجلس معه لمرة واحدة أو أن يراه من بعيد، و أنني اشعر بالغيرة من تلك الأنسة لأنها فقط استطاعت أن تحلل شخصيات كل من حولها بمجرد النظر إلى اعينهم ايضا.
لكنني لا اشعر بالغيرة منهما، ولا من غيرهما، كل ما في الأمر أنني اريد أن اكون مثلهما، قادرة على ان اكون مختلفة عن البقية، وبمجرد أن اجلس بين جماعة ان يقال عني أني خارقة للطبيعة.
لكن الأمر لم يكن ابدا غيرة كما كانت تقول لي أختي، ومالي بكلامها!
انا الآن في عامي الواحد والعشرين، عاطلة عن العمل، انقطعت عن الدراسة في سن مبكرة، لكن الدراسة والتعليم لم يكونا ابدا عبارة عن تعليم في المدرسة او حتى في الجامعة.
فأنا توقفت عند الثانوية العامة، وبعدها بفترة تسجلت في الجامعة لأدرس لمدة عشر شهور دبلوما للتصميم الجرافيكي، ونجحت به بعد ان كنت اشعر بالخوف من ان افشل ، وبصراحة أعرف نفسي، لم اكن مبدعة به قط، لأنني رغم أنني شخص خياله واسع جدا وله نظرة في بعض الامور، الا انني لست مبدعة بما يتعلق بالفن، وهذا المجال يحتاج الى لمسة فنية وانا لا امتلك تلك اللمسة.
يا الهي، التحدث عن تلك الامور السخيفة يشعرني بأنني اريد ان اكون واعية.
الافكار المرعبة تقطر بدخلي، واصوات كثيرة تضج في داخلي ولا اعرف لها خلاص.
لكن رغم تلك الفوضى من حولي، ورغم تلك الفوضى من داخلي سأكمل الكتابة قبل ان ينقض الشبح علي الليلة.
لقد قابلت الكثير من الناس في حياتي، والكل غير مرتاح، وحتى لو أظهروا لنا تلك الراحة والسعادة فهم في الاغلب يقنعوننا بذلك.
لكن ان تكون مرتاحا لا يعني أن تبتسم فحسب في وجوه كل من تراهم، أو أن تقنع صديقك مثلا بأن لا شيء يهمك، ولست مهموما، ولا تمتلك مشاكلاً تعرف أنها عظيمة بالنسبة لك، لكن بالنسبة لغيرك هي مجرد مشاكل.
كنت حينما اشكو لإحدى صديقاتي، كانت تضحك، وكنت أندم بشدة، لكنني كنت من النوع الذي يشكو دائما، ويحب أن يكون في دور الضحية، لإنني اشعر بأن راحتي في هذا الدور، لم اكن امثل للعلم.
لكنني كبرت على أن اكون مستاءة، غير مرتاحة، ودوما اعيش في دراما، واشعر أنني تائهة وانني اعذب نفسي واضغط عليها بسبب ما فعلته .
لكنني امتنع قبل ان اعذبها بشدة، فصرت ادللها دلالا كبيرا واحبها حبا جماً.
لم يقنعني شخص واحد فحسب، بل عدة اشخاص، ومن ضمنهم أنا.

سلسلة مما كتبت 2


شبح حي
كنت في العاشرة من عمري حينما حلت على أبي كارثة أودت بحياة حبيبته الوحيدة، أمي.
كنا في طريق العودة من المدرسة بعد ليلة طويلة من اجتماع في المدرسة لأهالي الطلاب، كان ابي غضبان مني، يصيح في وجه أمي دون اسباب مقنعة، وحينما حاولت ان امنعه من الصراخ عليها التفت لي برأسه ورماني بتلك العيون الصارخة من الغضب وقال :لولاك أنت ايها الغبي لما صرخت على أمك، الحق عليك"
وما هي ثوان سريعة حتى التحمت مقدمة السيارة بشاحنة ضخمة في طريقها الى المكان الذي من المفترض ان تصل اليه بعد ساعات طويلة على الطريق السريع.
سيارات الإسعاف في المكان، فالحادث لم يقتصر فقط على سيارتنا وتلك الشاحنة الضخمة، ب كان على الطريق هناك اربعة سيارات غيرنا، وكلها كانت في مكان الحادث، تلك السيارات الأربعة ايضا كانت في طريق عودتها من المدرسة.
كانت أمي بنصف جسد، فنصفها الأخر في السيارة، أما أبي فكان مصابا بإصابات خطيرة جدا لكنه نجا إلا أمي، ونجوت أنا حمداً لله.
قضى أبي اشهرا معدودات في المشفى في حين ان جسد أمي كان تحت التراب ليتحول الى رماد قريباً.
ومن تلك الحادثة وأبي لا يتحدث معي وكأني لست موجوداً، بعدما تعافى أبي وعدنا الى المنزل كان حزينا جدا لدرجة أنه لم يكن يتناول طعامه جيدا، ولدرجة أنه كأنه يهجرني في الكلام، لم اسمع صوته الى الأن وها قد مضى على تلك الحادثة ما يقارب الشرة اعوام، اصبحت في العشرين من عمري وأبي يعتبرني غير موجود في المنزل.
حتى أنني اصبحت غريبا على هذا البيت الذي اقل ما يقال عنه أنه منزل.
كان يخرج من المنزل دون ان يعلمني بخروجه، وكان يذهب ليلتقي صديقه دون أن يأخذني معه كما كان معتاداً قبل عشرة اعوام.
فيه شيء يحيرني، الى هذه الدرجة هو غضبان مني! الى هذه الدرجة ينكر وجودي بقوة، حتى انه هجر غرفتي وكأنها ليست موجودة من ضمن غرف المنزل المهجور هذا.
بالتدريج تحولت انا ايضا الى شخص لامبال بعدما كنت أبالي في كل شيء، ولي مدة طويلة قد هجرت تلك المرآة التي عشقت فيها صورتي، فأنا في طفولتي كنت نرجسياً، اتأمل انعكاسي بكثرة حتى ان امي كانت تصيح بي كثيرا لنرجسيتي تلك.
لكنني الآن في العشرين من عمري ولم اعد اهتم بهندامي ولا بشعري الأشقر ولا بعينيي .
كانت نرجسيتي تلك سببها أمي، ف بعمر الخامسة كانت امي تخبرني وتسمعني كل ليلة كم انا جميل.
لم اعد المس روحي كما كنت افعل، ولم اعد اتأمل ملامحي التي عشقتها أمي وبالتالي عشقتها انا لدرجة انني كنت اتحول الى شخص أناني، وكان ابي دوما يتشاجر مع أمي لأنه حسبما يعتقد أنها دللتني كثيرا وبما فيه الكفاية.
نعم نرجسيتي حولتني الى اناني..الى طفل قاس جدا، لكنني الآن في مرحلة لا تسمح لي بان اكمل دور الأناني، وفي وضع لا يتقبل ان اكون انانيا، فوالدي ما زال يشعر بالأسى اتجاه ما حدث، فمن انا لأخبره عن مدى احتياجي لمن يهتم بي.
لكنني لم اعد أبالي، فتباً لنرجسيتي ووجهي الذي كان وسيما. كانا سببا في موت أمي وموت مشاعر أبي.
خرجت من المنزل علني أجد راحتي فيها كما هو حالي طوال هذه الأعوام المنصرمة، المليئة بذكريات لأمي والمليئة بهجران أبي لي وتركي وحيداً دون أن يعتني بي، دون أن يعي تماما أنني ما زلت هنا، أعيش معه في ذات المكان، واتناول ذات الطعام، وهو طباخ ماهر، يستطيع عجن عجينة البيتزا مثلا بكل مهارة وحماس، وكان يحضر أطيب المأكولات خاصة تلك الشرقية...كان يعشق ما يسمى بالأكل.
لكنه تخلى عن عادته الجميلة، تخلى عن ابتسامته التي لطالما كانت تحيي هذا المنزل، والآن صار منزلا خاويا من الروح، لا يُسمع فيه سوى صوت أنفاسنا المهدمة، وصوت السكون الرهيب.
سرت لساعات طويلة في شوارع الحي دون ان اشعر بالتعب، ككل مرة اسير فيها لوقت طويل.
لا عرق يتصبب مني، لا أنفاس متعبة تحرق صدري، ولا شعوراً بالعطش كبقية الاشخاص اللذين يسيرون، وانا كنت اسير دون اهتداء لمكان أرسي فيها روحي المتعبة من السير الطويل.
لا أحد ينظر لي، إنني اقف بين جموع من الناس التفوا حول بقايا سيارة سوداء صغيرة، حادث أخر من تلك الحوادث الشنيعة، وحسبما سمعت ممن حولي كان السائق مخمورا وابنته التي لم يتجاوز عمرها العاشرة تقف قريبة من السيارة وتبكي بحرقة كما بكيت أنا قبل عشرة أعوام، لربما تبكي على نفسها لمَ لم تمت مع أبيها، أو انها تبكي على أبيها، او على الهلع الذي يسير في جسدها الآن ويتنقل بكل حرية في أعماقها.
لكنها رأتني، اخيرا هناك من عبرني وانتبه لوجودي، اقتربت منها بصمت مطبق، مسحت دموعها وسألتها عن اسمها
"ليان"
"وانا علاء...ماذا حصل؟"

"لقد تشاجر مع أمي البارحة، ثم في الصباح طرده مديره من العمل ،وبعد أن تم طرده ذهب الى الحانة وبدأ بالشرب، ومن ثم عاد الى المنزل وأخذني، وها هو الآن ميت"
حادث شنيع جدا، الطفلة وجهها باللون الأصفر ويرتعش جسدها بالكامل.
مسكت يدها برفق وقلت لها "ما رأيك بأن نذهب الى المستشفى مع سيارات الإسعاف، لعلنا نطمئن على أبيك"
هزت برأسها معلنة الموافقة، سرنا سويا بكل بطء خلف سيارة الإسعاف التي تحمل جسد ابيها ، إنه بين الحياة والموت.
اشعر بانقباض في صدري..وما زالت ليان ترتعش بشكل غير طبيعي.
دخلنا الى المستشفى مع سيارة الاسعاف رغم ان الطريق الى المشفى كان طويلا، لكننا كنا نتمشى بكل هدوء وكان الوقت ليس موجودا، كأن العالم سيرع جدا لدرجة أن هذه السرعة تجعل منه شديد البطئ.
لكنني لم اعد ابالي بالوقت، فهو لم يعد موجودا، لهذا كل ايامي متشابهة.
وصلنا نحو غرفة الطوارئ، اربعة أطباء وسبعة ممرضين، الأب يتنفس بصعوبة ويصرخ من الألم، وجسد الإمرأة التي كانت في السيارة الأخرى ينزف بقوة.
واصوات الضجيج وحدها تعلن بأن الموضوع أخطر مما نتصور.
هتافات آتية من أخر ممرات المشفى، صياح وبكاء ونواح، رجل يبكي بحرقة على ارض المشفى بعدما أعلن له الطبيب بأن زوجته ماتت بالجلطة.
وليان بجانبي تبكي بحرقة وصمت، دموعها ساخنة
قالت لي بنبرة لم افهمها "علاء، انا لا احد لدي سوى أبي، ومنزلي لا عودة لي إليه، هل استطيع ان اذهب برفقتك الى البيت، لا اريد أن ابقى هنا ، إني اشعر بالإختناق من المكان، والتوتر يزداد بشكل قاسي"
حدقت بها، تأملتها بابتسامة عابرة، ملامحها الحنطية الطفولية، صوتها الرقيق، وعيونها الغارقة بأشعة الشمس حينما تضرب الرمال بكل حب.
لقد اغرمت بتلك الفتاة الصغيرة، شددت يدها وسحبتها بسرعة الى منزلي.
وحينما فتحت باب المنزل رأيت أبي يرتدي ملابسا جديدة، إنه يرتدي بدلة سوداء اللون بربطة عنق زرقاء، إن هذا الرجل وسيم، لمَ لم الاحظ وسامته طوال تلك الاعوام ؟
"أبي....الى اين انت ذاهب؟"
لكنه لم يجاوبني، اكتفى بالصمت وتأمل نفسه في المرآة الحائطية الطويلة، وابتسم بقوة.
شعرت بقشعريرة تسير في جسدي كلها حينما دخل غرفتي، وجلس على السرير يتأمل جدران الغرفة ويده تداعب غطاء السرير بحنية.
همست ليان "إن والدك يتجاهلنا "
بل إن والدي لا يرانا..حينها بدأت أتسائل لمً لم يعبرنا "أبي لقد أحضرت ضيفة معي"
لكنه لا يسمعني، هل هو مصاب بالصم؟ شعرت بالغضب فصحت به حتى اهتزت جدران الغرفة ووقعت تلك الساعة المعلقة على الحائط فرجف جسد ابي بالكامل وتصبب عرقا "علاء...ارجوك أهدأ، انت لم تفهم بعد.."
"اخيرا سمعت صوت" قلت بانفعال.
لكنه لا يحدق بي مباشرة، بل يدور بعينيه حول المكان كأنه يبحث عن شيء.....لحظة....إنه يبحث عن مصدر الصوت، يبحث عني.
اقتربت منه بتعجب، لوحت بيدي أمام وجهه لكنه لم يشعر بي.
قال وهو مفزوع "علاء سامحني، لقد حاولت كثيرا أن افهم...لكننا على ما يبدو أننا لن نفهم اساسا ماذا حدث معك"
مسكت ليان يدي وقالت "علاء أنت تتلاشى"
نظرت الى يدي، الجزء السفلي من جسدي صار فارغا، لا شيء هناك...انا بنصف جسد فقط
"لقد كانت ذاكرتي هي التي تنعشك، كلما خطرت في رأسي كلما ازددت قوة يا علاء، وكلما شعرت بأنك على قيد الحياة، وحينما كنت انساك ليوم مثلا، كنت تشعر بالوهن، ذاكرتي هي التي جعلك على قيد الحياة، لكنني يا ولدي لا أتحمل أن يبقى عقلي مشغولا بك وبأمك.."
"لم أفهم..وضح لي أكثر"
مسح ابي جبينه ونهض قائلاً "أنت ميت منذ عشرة أعوام، ولكنك ما زلت شبحا يعتقد انه على قيد الحياة."
حدقت بليان لأجدها تبتسم لي ببلاهة لتقول لي بسعادة
"إذن نحن أشباح"
بل انا شبح منذ عشرة اعوام يعتقد انه على قيد الحياة وأن والده والجميع يتجاهلونه، لكن انت ايتها الطفلة، فهذا أول يوم لك ك شبح.

سلسلة مما كتبت

سلسلة مما أكتب
رسائل إلى كتونيا:

إنني أكتب قصة مختلفة عن كل القصص التي نسمع عنها أو حتى تلك التي نشاهدها على التلفاز في أفلام هوليوود التي قدمت لنا اقوى الأفلام وأحلاها ولربما أسخفها.
لن أتحدث عن تلك الأفلام التي تجسد بعضا من الواقع، بل سأحكي قصة تتعلق بشقيقتي..يبدو أنها ستصبح يوما ما فيلما نعتاد على مشاهدته كل يوم دون أن نشعر بالملل.
شقيقتي تدعى كتونيا، مصابة بمرض نادر جداً جداً حتى أنني أشك بوجوده.
كتونيا لا تعرف أي شيء عن كتابتي لقصتها هذه، وإن عرفت فهي سوف تنساها في اليوم التالي، تعيش نفس اليوم كل مرة، كل اسبوع تعيد نفس المواقف التي عاشتها من قبل.
منذ وفاة والدتي وانا اعتني بها. أبي هجرنا منذ الطفولة، لهذا أصبحت أنا الأب والأم لكتونيا، فهي لا تعرف أحدا سواي، وحتى إن تعرفت بشخص جديد في حياتها فهي سوف تنساه كليا، حتى ملامحه لن تبقى عالقة في الذاكرة الخفية في المخ.
لكنني أنا الشخص الوحيد العالق في ذاكرتها مهما طالت الأيام ومهما تقدمنا في السن.
تستيقظ كل يوم في نفس التوقيت، الساعة الثامنة صباحاً، تحتسي كوبها الأول من القهوة وبعد دقيقتين من انهاءه تعيد الكرّة، تصنع لنفسها الكوب الثاني لكن بالنسبة لها هو ما زال الكوب الأول.
بعد القهوة تأخذ حماما ساخناً وبعد ربع ساعة تأخذ حماما آخرا.
لكنني أحاول أن أمنعها من التكرار ، ومنعي هذا يسمح لها بالتساؤل أي نوع من الإخوة أنا ! امنعها من الإستحمام.
لكنني أخبرها بحجج كثيرة، أن الماء مقطوع عندنا في المنزل مثلا، أو أنها سوف تتصبب عرقا لاحقا فالاستحمام صار أمرا مفروغ منه.
لهذا تصمت في كثير من الأحيان لكنها تعيد الكرّة لاحقا حينما لا أكون في المنزل.
بعد الإستحمام نذهب سويا الى الشاطئ، تقف قبالة أشعة الشمس المتوهجة بلطف، تسمح لتلك الأشعة بالمساس ببشرتها الحنطية، وبالتعمق بعينيها البنيتين، وتأخذ اربعة أنفاس طويلة عميقة، في كل مرة نأتي فيها الى هنا تفعل نفس تلك الطقوس التي تخصها فقط، وحينما احاول تقليدها تنفعل بشكل اصطناعي ثم تعود الى طبيعتها، كأن هذه الحركات مخصصة لها فقط.
طقوسها هذه تعقدني، بل تشعرني بأن لا حيلة لي .
ذات يوم حينما كنا جالسان على الرمال الدافئة وجدت زجاجة فيها رسالة، كانت مذهولة
"راكان انظر" تقولها بنبرة ذهول.
اتأمل تلك الزجاجة التي يبدو عليها انها قديمة، لربما نسيها أحد العاشقين على الرمال هنا، لعل حبيبته تقرأها يوما ما، لكن الزجاجة كانت من نصيب كتونيا.
فتحت الزجاجة، أخرجت منها الورقة الحمراء وفتحتها "إلى... إنني أجلس كل ليلة على الرمال كعادتي، اتأمل ملكوت الله المتشكل على هيئة بحر عميق، يذيب كل مكنونات صدري، أخي يجلس بجانبي ينتظر إشارة مني لنتحرك...لعلنا نعود الى منزلنا باكرا كي لا تقتلنا أمنا، نسيت إخبارك، امي ليست على قيد الحياة وأبي هجرنا منذ الطفولة، ولا أتذكر انني اعرف اي احد سوى شقيقي الأبله هذا، وبالمناسبة...أيضا، لقد نسيت اسمه...."
طوت الورقة مرة أخرى كما كانت، ثم أعادتها داخل الزجاجة وتركتها بقربها ثم حدقت بي طويلا وبكل هدوء قالت وهي تستنشق نسيما باردا اخترقنا للتو "هيا لنعد الى المنزل، وإني اشعر بالشفقة على هذا العاشق الذي نسى ان يرمي بالزجاجة الى البحر، ارجو من حبيبته أن تجد الرسالة، فهو على ما يبدو انه يحبها بقوة"، ثم ابتسمت لي وتأملت للمرة الأخيرة تلك الزجاجة التي ترتاح على الرمال مثلنا ونهضت واردفت "إني متعبة يا راكان، هيا بنا الى المنزل"
شعرت بوكزة في صدري لا اعرف تفسيرا لها، لكنني نهضت بسرعة خلفها وعدنا الى المنزل.
في اليوم التالي نفس الطقوس ونفس الوجوه ونفس الحركات، اشعلت سيجارتي العاشرة وتأملت صورة لأبي وأمي وهما معا، شعرت بخيبة أمل، لا احد يعتني بكتونيا مثلي، ولا احد اعتنى بها كما فعلت.
رميت عقب السيجارة في المكان المخصص لها وتوجهت برفقة كتونيا سيرا على الاقدام الى الشاطئ، ترغمني على السير رغم ان المسافة بين المنزل والشاطئ طويلة جدا لكنني اتحمل، فهي شقيقتي الوحيدة، واعتبرها جزءا لا يتجزأ مني.
بعد ساعات امضيناها على الشاطى بملل نتأمل البحر الصارخ، والهواء يصرخ بأرواحنا بلطف، وجدت زجاجة أخرى، قرأتها بحماس، وكأنها للمرة الأولى تقرأ رسالة مثل هذه.
كانت عيونها تخبرني كم هي متحمسة ، كم هي مذهولة، ثم اخبرتني بأنها تشعر بالشفقة على هذا العاشق الولهان.
يوما بعد يوم، زجاجة بعد زجاجة، رسالة تتلوها رسالة، اكتشفت انها تقرأ رسائلها لنفسها، فأنا نسيت إخباركم انها تقضي طوال تلك الساعات هنا وهي تكتب رسالة مختصرة جدا، ترميها في البحر، ثم تعود الى المنزل، وفي اليوم التالي تكتشفها لأول مرة ثم تقرأها.
وكم شعرت كتونيا بخيبة أمل حينما قرأت انها تكتب لنفسها، وحينما اكتشفت انها هي المرسلة، وأن الرسائل لها، انهارت كل الانهيار، وبدأت تصرخ بقوة صراخا يصم آذاني، بل يخترقني من الداخل الى اعمق مكان في جسدي.
ذاكرتي مليئة بأصوات صراخها كالوحوش.
ارتمت اخيرا بين يدي ونامت كالطفلة خلال ثوان سريعة، عدت بها الى المنزل ايضا سيرا على الأقدام، وضعتها على سريرها كالطفلة، وفي اليوم التالي كانت قد نست ما حصل البارحة، واعادت الكرّة حينما اكتشفت ان الرسائل مرسلة لها.
بعد عام من تلك الحوادث المكررة سألتني فجأة "لمَ لا اتذكر كوني في المدرسة؟"
أول مرة تسألني هذا السؤال، فهي لا تركز على مثل هذه الاشياء، جاوبتها بعد تفكير عميق
"لأنك لا تتذكرين" نعم هذا كان الجواب المختصر.
"ولم لا أتذكر"
"لأنك باختصار شديد مصابة بمرض نادر جدا، فقدان الذاكرة، تعيشين يومك بكامله، بكله، حلوه ومره، تعيدين نفس الطقوس كل يوم، الثامنة صباحا موعدك، اربعة اكواب قهوة في نفس الساعة كأن كل كوب هو الأول بالنسبة لك، ثم تستحمين اربعة مرات، وكأن كل مرة هي الأولى، ثم نذهب الى الشاطئ، تسبحين ثلاث مرات وفي كل مرة تسألينني لم أنا مبللة بالكامل لكنني لا اجاوب لأن لا جواب لدي، ثم تجلسين بالساعات على الرمال لتكتبي على ورق احمر اللون، وتضعينها في زجاجة ثم ترمينها في البحر، وفي اليوم التالي تقرأينها كأنها رسالة عاشق الى حبيبته...."
ابتسمت كتونيا ابتسامة تحمل معان كثيرة لكنني اشعر بالحيرة الآن، لم تلك الإبتسامة غير المفسرة.
ولا اجد الجواب لحيرتي...ترمقني بغضب ثم تحمل نفسها الى غرفتها، تحبس نفسها هناك، اسمع صوت بكاء خافت، ثم صراخ عميق، ثم لا شيء.
بعد نصف ساعة طرقت بابها لعلهه تفتح لي لكن لا رد.
اطرق عشر مرات "كتونيا افتحي لي الباب"..لا رد من كتونيا.
حتى كسرت الباب، لأجدها ممدة على الأرض، جسدها بارد، وبيدها سكين حاد جدا....
إني اراها امامي ميتة، دون روح ودون نفس، لكن بكل برود جلست بجانبها على الأرض، مسكت يدها، حضنتها بلطف، ابتسمت وقلت "اخيرا، حان موعدي انا لأتحرر ..."
تركتها على الارض ...دخلت وضبت ملابسي، وخرجت....وبعد ان اغلقت الباب وركبت سيارتي وتحركت، هاتفي يرن معلنا بان المتصل يلح علي لأرد.
وصوتها يأتيني من الطرف الآخر.
لكنني اتوهم، لقد شعرت بان جسدها بارد..
رميت هاتفي على المقعد بجانبي ثم اكملت طريقي خارج المدينة.
مضى عاما كاملا وانا حر، الى أن رأيتها، تجلس على كراسي احد المقاهي المطلة على الشارع، بيدها الكوب الرابع لربما ولربما العاشر، تسمع موسيقى او شيء ما على الهاتف، لا ليست هي إني اتوهم فقط.
مرت من امامي حافلة قطعت عني الرؤية لدقيقة، وبعد رحيل الحافلة لم اجدها، بحثت عنها في الانحاء وسألت العابرين إن كان هناك أحد قد رأها، لكن الرد نفياً.
وفجأة شعرت بيد تطبق على كتفي بقوة "راكان، انت موقوف أخيرا"
"وبأي تهمة؟"
"تهمة قتل شقيقتك كتونيا يا راكان، تفضل معي دون إحداث أي ضجة"
سرت برفقة الضابط الى مركز الشرطة، واكتشفت هناك انني قاتل، لم لا اعرف اي شيء، لم لست واعيا بما يقوله لي الشرطي هنا، إن فمه يتحرك، لكنني لا اسمع اي شيء مما يقوله.
"قبل اربعة اعوام كنت قد قتلت شقيقتك كتونيا على الشاطئ حينما كانت تكتب مع نفسها حسب شاهد عيان قد رأها برفقتك أخر مرة، وقال أنك اخرجت من جيبك سكينا حادا ونحرتها بكل برود، وحسب شاهد العيان ان الدماء امتزجت بورقها حتى صار لون الورق أحمر.....ومن يومها وأنت تزور نفس المكان...."
"هل هذه خدعة ما! لأن كتونيا انتحرت حينما عرفت الحقيقة بأنها فاقدة للذاكرة"
"لا ليست خدعة، لقد كنا نبحث عنك طويلا في المدينة الى ان وجدناك هنا..."
"والآن ماذ، هل سوف أسجن طويلا"
ابتسم الشرطي "بل الى الابد"
ثم قيدني وسحبني نحو الزنزانة الى الأبد.
بينما انا اسير برفقة الشرطي بالتصوير البطيء، سمعت صوت صراخها الذي سمعته منها حينما اكتشفت الحقيقة.
عندها تذكرت يوم مقتلها على يدي، كانت تصرخ بقوة وهي تقاومني وتذكرت ما قلته لها "إنني سوف ارتاح اخيرا منك..كتونيا لقد مللت منك...إنني اعيش في ذنب طويل طويل جدا....لقد تخلصت من والدتنا، هل تذكرين كيف، لقد نحرت عنقها ، تماما كما سأفعل بك....وللأسف، لم تسنح لها الفرصة لترى مقتلها، إنك في المكان الذي تحبينه، على الرمال الباردة يا كتونيا، وبيدك زجاجتك المفضلة التي تسمينها مذكراتك....وسوف يمتزج الورق بالدم...وسوف تصبحين قصة منتهية الى الأبد.."
انتهت الذكرى هنا، حيث توقفنا امام باب الزنزانة العريض، اسود اللون، ممزوج بملامح كتونيا التي رأيتها أخر مرة.
كانت تبكي بحرقة، بألم ومقاومة ضعيفة.
ادخلني الشرطي الى الزنزانة الضيقة من الداخل برغم ان بابها عريض، لكنه سوف يشعرني لاحقا بمدى تفاهتي .
كيف كانت إذن تلك الاعوام، وكيف كنت اعيش يومي على ان كتونيا معي وتكرر نفس التصرفات اكثر من مرة.
لكن على ما يبدو أنني انا الذي كنت فاقد للوعي، للذاكرة وللعقل، انا الذي لم اكن بكامل وعيي.
قتلتها بدم بارد وصرت في كل يوم منذ مقتلها اذهب الى حيث اعتدنا الجلوس حيث قتلتها، واكتب بنفس تلك الورقة الحمراء وارميها.....كل تلك الاحداث كنت ارى فيها كتونيا.
كنت انا راكان وكتونيا..ورسائل كتونيا.
اذكر آخر رسالة قرأتها على ان القارئ هو كتونيا
"إن اخي اليوم كاد ان يقتلني، فهو قد بدأ يهذي ليلا كثيرا، وقصصه الليلية مرعبة جدا، يحكي لي الكثير من قصص القتل التي تملؤها الدماء، حيث يتلاشى كل شيء الى العدم...إن راكان قاتل على ما اعتقد لكنه لا يشعر...سوف تكون هذه أخر رسالاتي لك يا كتونيا...الوداع يا حبيبتي..فكما ذهبت والدتي سوف تذهبين أنت واذهب انا حيث اللاعودة."